خطبة الجمعة القادمة 10 يناير 2025 م بعنوان : وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الوَجْهِ وَحُسْنُ الخُلُقِ ، الدكتور محروس حفظي بتاريخ 10 رجب 1446هـ ، الموافق 10 يناير 2025م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 10 يناير 2025 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الوَجْهِ وَحُسْنُ الخُلُقِ.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 10 يناير 2025 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الوَجْهِ وَحُسْنُ الخُلُقِ ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 10 يناير 2025 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الوَجْهِ وَحُسْنُ الخُلُقِ ، بصيغة pdf أضغط هنا.
___________________________________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
و للمزيد عن مسابقات الأوقاف
للمزيد عن أخبار الأوقاف
و للمزيد عن الدروس الدينية
عناصر خطبة الجمعة القادمة 10 يناير 2025 م بعنوان : وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الوَجْهِ وَحُسْنُ الخُلُقِ ، للدكتور محروس حفظي :
(1) حثُّ الإسلامِ على حُسنِ الخُلقِ.
(2) علاجُ سوءِ الخُلقِ في دينِنَا الحنيفِ.
(3) دعوةٌ إلى حُسنِ الخُلقِ مع الخَلقِ أجمعين.
عناصر الخطبة (النموذج الأول والثاني)
(1) معالجةُ مشكلةِ تنظيمِ الإسرةِ. (2) المواطنةُ والتعايشُ المشترك.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 10 يناير 2025 م بعنوان : وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الوَجْهِ وَحُسْنُ الخُلُقِ ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي:
خطبة بعنوان: «ولكن يسعُهُم منكُم بسطُ الوجهِ وحُسنُ الخُلقِ»
بتاريخ 10 رجب 1446 هـ = الموافق 10 يناير 2025 م
الحمدُ للهِ حمدًا يُوافِي نعمَهُ، ويُكافِىءُ مزيدَهُ، لك الحمدُ كما ينبغِي لجلالِ وجهِكَ، ولعظيمِ سلطانِك، والصلاةُ والسلامُ الأتمانِ الأكملانِ على سيدِنَا مُحمدٍ ﷺ ، أمّا بعدُ ،،،
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة 10 يناير : وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الوَجْهِ وَحُسْنُ الخُلُقِ ، الدكتور محروس حفظي
(1) حثُّ الإسلامِ على حسنِ الخُلقِ:
حُسنُ الخُلقِ هو شعارُ هذا الدينِ، وميزةُ الحبيبِ ﷺ بل هو أقصرُ طريقٍ يصلُ بكَ إلى أبعدِ القلوبِ، ولذا دعَا دينُنَا إلى التخلقِ بمكارمِ الأخلاقِ، والابتعادِ عن الأخلاقِ السيئةِ، والمستقرىءُ لسيرةِ سيدِنَا مُحمدٍ ﷺ يجدُ أنّهُ قد حازَ الفضائلَ كلَّهَا، وجمعَ الأخلاقَ جميعَهَا، بل كانت أخلاقُهُ لا نظيرَ ولا مثيلَ لهَا، شَهدَ لهُ بذلكَ ربُّهُ فقال: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾، فهو فاقَ الأخلاقَ، فأصبحَ مستعلياً عليها، متصفاً بها ظاهراً وباطناً، قائماً وقاعداً مع أحبابِهِ وأعدائِهِ حتى صار مضربَ الأمثالِ، وقد بيّنَت السنةُ النبويةُ بعضَ ثمراتِ مَن يتحلَّى بحسنِ الخُلقِ:
أولاً: تحقيقُ الإيمانِ الكاملِ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ ﷺ:«أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا» (أحمد).
ثانياً: أثقلُ شيءٍ في ميزانِ العبدِ: عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ المُؤْمِنِ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ، وَإِنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضُ الفَاحِشَ البَذِيءَ» (الترمذي وحسنه) .
ثالثاً: يبلغُ بهِ صاحبُهُ درجةَ الصائِمِ القائِمِ: عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ» (أبو داود) .
رابعاً: سببُ دخولِ الجنانِ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سُئِلَ ﷺ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الجَنَّةَ، فَقَالَ:«تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الخُلُقِ»، وَسُئِلَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ، فَقَالَ:«الفَمُ وَالفَرْجُ» (الترمذي) .
وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ» (أبو داود) .
خامساً: دلالةٌ على حسنِ الحسبِ وطيبِ المعدنِ: عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَا عَقْلَ كَالتَّدْبِيرِ، وَلَا وَرَعَ كَالْكَفِّ، وَلَا حَسَبَ كَحُسْنِ الْخُلُقِ» (ابن ماجه) .
سادساً: القربُ مِن الرسولِ ﷺ يومَ القيامةِ: عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ القِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا، وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ القِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ وَالمُتَشَدِّقُونَ وَالمُتَفَيْهِقُونَ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَ وَالمُتَشَدِّقُونَ فَمَا المُتَفَيْهِقُونَ؟ قَالَ: «المُتَكَبِّرُونَ» (الترمذي وحسنه).
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة 10 يناير : وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الوَجْهِ وَحُسْنُ الخُلُقِ ، الدكتور محروس حفظي
(2) علاجُ سوءِ الخُلقِ في دينِنَا الحنيفِ: وضعَ الإسلامُ علاجاً ناجعاً لمداوةِ سوءِ الخُلقِ مِن ذلك:
أولاً: تقويةُ الإيمانِ باللهِ وقوةُ الصلةِ باللهِ والاحتساب: احتسابُ أنَّ الخُلقَ دينٌ، وأنّ الخُلقَ عقيدةٌ وتربيةٌ وسلوكٌ وتعاملٌ، فأنا عندما أعرفُ أنّنِي عندما أكونُ ذَا خُلقٍ حسنٍ أجدُ عليهِ ثواباً مِن اللهِ يحملنِي هذا إلى أنْ أتحلَّى بحسنِ الخُلقِ، فالرجلُ الذي جاء يشكُو سوءَ خُلقِ أقاربِهِ قالَ لهُ الرسولُ ﷺ: «لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ، فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ» (مسلم).
ثانياً: الدعاءُ: أنْ تدعو اللهَ أنْ يهبَكَ خُلقاً حسناً، وهذا رسولُ اللهِ ﷺ كان يدعو ويقولُ:
«وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ» (مسلم)، كان يدعُو ﷺ وهو مَن شهدَ اللهُ لهُ بأنّهُ على خُلقٍ عظيمٍ، فالأولَى أنا وأنت، فاجعلْ هذا الدعاءَ في سجودِكَ، بينَ الأذانِ والإقامةِ، فالدعاءُ هذا مِن أعظمِ وسائلِ العلاجِ لسوءِ الخُلقِ.
ثالثاً: النظرُ في عاقبةِ سوءِ الخُلقِ: تأملْ وتدبرْ وفكرْ في العاقبةِ والمآلِ الذي يجرُّ إليهِ سوءَ الخُلقِ؟! وستجدُ دائماً أنّ سوءَ الخُلقِ يؤدِّي إلى أسوأِ العواقبِ، منها: كراهيةُ اللهِ سبحانَهُ لك، وكراهيةُ الرسولِ لك، وكراهيةُ الصالحينَ لك، وقربُكَ مِن النارِ، وبعدُكَ عن الجنةِ، وكراهيةُ الخَلقِ، فلماذا تعملُ على أنْ تكونَ مكروهاً عندَ اللهِ وعندَ خلقِهِ؟ العاقبةُ وخيمةٌ، والمآلُ سيئٌ .
رابعاً: الصبرُ: والصبرُ مِن الدينِ بمنزلةِ الرأسِ مِن الجسدِ، وقد جاءَ الأمرُ بهِ في القرآنِ الكريمِ في أكثرِ مِن تسعينَ موضعاً، يقولُ سبحانَهّ:﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾، فتحلَّى دائماً بالصبرِ، لا تكنْ سريعَ الانفعالِ، وإنّمَا اصبرْ واكتمْ وتبيّنْ وتأكدْ واستوضحْ حتى تجمعَ المعلومات، ثم فكرْ وأنت تتخذُ القرارَ في النهاياتِ والعواقبِ، وهل القرارُ هذا سيكونُ محمودَ النتائجِ أم نتائجُهُ سيئةٌ؟ فهذا الصبرُ يهديكَ إليهِ، والعجلةُ والانفعالُ في اتخاذِ القرارِ، وعدمُ الصبرِ يؤدِّي دائماً إلى الندامةِ.
خامساً: مصاحبةُ الأخيارِ ومجالستُهُم: حتى تكتسبَ شيئا ًمِن صفاتِهِم، وتتعرفَ على شيءٍ مِن أخلاقِهِم، وبهذا تكونُ مثلَهُم قال ﷺ: «مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالجَلِيسِ السَّوْءِ، كَمَثَلِ صَاحِبِ المِسْكِ وَكِيرِ الحَدَّادِ، لاَ يَعْدَمُكَ مِنْ صَاحِبِ المِسْكِ إِمَّا تَشْتَرِيهِ، أَوْ تَجِدُ رِيحَهُ، وَكِيرُ الحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ، أَوْ ثَوْبَكَ، أَوْ تَجِدُ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً» (البخاري) .
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة 10 يناير : وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الوَجْهِ وَحُسْنُ الخُلُقِ ، الدكتور محروس حفظي
(3) دعوةٌ إلى حُسنِ الخُلقِ مع الخَلقِ أجمعين:
الإنسانُ مخلوقٌ اجتماعيٌّ أو مدنيٌّ بطبعِهِ كما يقولُ علماءُ الاجتماعِ فلا يمكنُهُ أنْ يعيشَ وحيداً، وإنّمَا ضمنَ مجتمعٍ فيهِ فئاتٌ متنوعةٌ مِن البشرِ، ولذا كان عليهِ أنْ يحسنَ خُلقَهُ مع جيرانِهِ وأصدقائِهِ في العملِ وغيرِهِ، قالَ ربُّنَا:﴿وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾؛ وقد جعلَ الإسلامُ حُسنَ الخُلقِ مع الجارِ أيًّا كان صفتهُ سببَ دخولِ الجنةِ، وإيذائهُ أحدُ موجباتِ النارِ، فعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:«قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا، وَصِيَامِهَا، وَصَدَقَتِهَا غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ: هِيَ فِي النَّارِ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ فَإِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا وَصَلَاتِهَا وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالْأَثْوَارِ مِنَ الْأَقِطِ، وَلَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ: هِيَ فِي الْجَنَّةِ» (أحمد)، ومَن أرادَ أنْ يعرفَ أنّهّ محسنٌ فلينظرْ إلى حالِهِ مع جيرانِهِ وأصدقائِهِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:«جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النبي ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا أَنَا عَمِلْتُ بِهِ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ قَالَ: كُنَّ مُحْسِنًا قَالَ: كَيْفَ أَعْلَمُ أَنِّي مُحْسِنٌ؟ قَالَ: سَلْ جِيرَانَكَ، فَإِنْ قَالُوا: إِنَّكَ مُحْسِنٌ فَأَنْتَ مُحْسِنٌ، وَإِنَّ قَالُوا: إِنَّكَ مُسِيءٌ فَأَنْتَ مُسِيءٌ» (الحاكم وصححه) .
ومِن أجمعِ وسائلِ حسنِ العشرةِ وحفظِهَا، أنْ نبتسمَ في وجوهِ الناسِ، ونبذلَ لهُم النصيحةَ ولا نضنَّ عليهِم بمَا فيهِ نفعٌ لهّم، ونصفحَ عن عثراتِهِم، ونتركَ تأنيبَهُم عليهَا، ونوسعَ عليهم ولا نحوجَهُم إلى السؤالِ، ولا نطمعَ في مالهِم، ونحفظَ عهودَهُم، ونحترمَ مواعيدَهُم؛ لأنَّ هذا يعززُ الثقةَ، ويقوِّي أواصرَ التعاونِ، ويرأبُ الصدعَ، فما أحوجنَا إلى الوفاءِ بكافةِ صورِهِ وأشكالِهِ، ولذا رتّبَ رسولُنَا ﷺ على الاتصافِ بهِ أنْ كان ثوابُهُ الجنةَ، قال ﷺ: «اضْمَنُوا لِي سِتًّا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَضْمَنُ لَكُمُ الْجَنَّةَ: اصْدُقُوا إِذَا حَدَّثْتُمْ، وَأَوْفُوا إِذَا وَعَدْتُمْ، وَأَدُّوا إِذَا اؤْتُمِنْتُمْ، وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ، وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ، وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ»، ونتفقدَهُم إذا غابُوا، ونزورَهُم إنْ مرضُوا وانقطعُوا عنَّا اقتداءً بحبيبِنَا ﷺ فمعَ عظيمِ انشِغالِهِ وكثرةِ مسئولياتِهِ ﷺ كان مِن هديهِ وسنتِهِ السؤالَ عمَّن غابَ مِن أصحابِهِ، فعن بُرَيْدَةَ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَتَعَهَّدُ الْأَنْصَارَ وَيَعُودُهُمْ» (الحاكم وصححه)، بهذه القيمِ الرفيعةِ وتلك الأخلاقِ العاليةِ- التي جماعُهَا حسنُ الخُلقِ وحفظُ المودةِ- يألفُ الإنسانُ ويُؤلَفُ ويعشُ في النفوسِ مُعظَّمًا، وعلى الألسُنِ مُبجَّلاً قَالَ ﷺ: «أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحَاسِنُهُمْ أَخْلَاقًا، الْمُوَطَّئُونَ أَكْنَافًا الَّذِينَ يَأْلَفُونَ وَيُؤْلَفُونَ، وَلَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا يَأْلَفُ وَلَا يُؤْلَفُ» (شعب الإيمان).
أمّا مَن غلُظَ طبعُهُ، واشتدَّتْ على الناسِ قساوَتُهُ، وكثُرتْ شتامتُهُ فقد أساءَ العشرةَ والمخالطةَ، وخالفَ ما أمرَ بهِ قرآنُهُ: ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ﴾،﴿أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾، ﴿رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾، وحادَ عن سنةِ حبيبِنَا ﷺ، فعَنْ عائِشَةَ «أنَّ رَجُلاً اسْتَأْذَنَ عَلَى النبيِّ ﷺ فَلَمَّا رآهُ قَالَ: بِئْسَ أخُو العَشِيرَةِ وبِئْسَ ابنُ العَشِيرَةِ، فَلَمَّا جَلَسَ تَطَلَّقَ ﷺ فِي وَجْهِهِ وانْبَسَطَ إلَيْهِ، فَلَمَّا انْطَلَقَ الرَّجُلُ قالَتْ لَهُ عائِشَةُ: يَا رسُولَ الله حِينَ رأيْتَ الرَّجُلَ قُلْتَ لَهُ كَذَا وكَذَا، ثُمَّ تَطَلَّقْتَ فِي وجْهِهِ وانْبَسَطْتَ إلَيْهِ؟ فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا عائِشَةَ مَتَى عَهِدْتِنِي فَحَّاشاً؟ إنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ الله مَنْزِلَةً يَوْمَ القِيامَةِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقاءَ شَرِّهِ» (البخاري)، فأحسنُوا وارفقُوا بغيرِكم، واصبرُوا وتحملُوا، وأبشرُوا بالعاقبةِ، قال تعالى: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾؛ وقد قالَ عبادُ اللهِ المرسلونَ لأقوامِهِم: ﴿وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا﴾، توعدوهُم بالأذَى فوعدوهُم بالصبرِ.
إنَّ رسالةَ الإسلامِ رسالةٌ عالميةٌ لم تكنْ للعربِ وحدَهُم، أو محدودةً بمكانٍ، أو مقيدةً بزمانٍ، ولم يكن القرآنُ يومًا لقومٍ بعينِهِم، قالَ ربُّنَا: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا﴾؛ لذا فالباحثُ في نواحِي العظمةِ المحمديةِ، لَيَبهرُهُ تعدُّدُ جوانبِهَا، ويأخذُ بقلبِهِ سُموُّ مُقوماتِهَا، فقد أرسلَ اللهُ هذا النبيَّ الأميَّ؛ ليَكشفَ للإنسانيةِ الحائرةِ معالمَ الرقيِّ، ويَنشرَ الأمانَ والمحبَّةَ، فبلَغَ مِن ذلكَ حظًّا لم يدركْهُ نبيٌّ قبلَهُ، وتَمَّ على يديهِ ما أرادَ اللهُ أنْ تصلَ إليهِ الإنسانيةُ مِن الكمالِ، فكان لذلك إمامَ الأنبياءِ وخاتمَ المرسلينَ، وبحسبِ الإنسانِ أنْ يذكرَ ذلك؛ ليُؤمنَ بأنَّ هذا الرسولَ الأكرمَ كان منفردًا في عظَمتِهِ، ممتازًا في فِطرتِهِ قالَ عزَّ وجلَّ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾، ألا فلنتأسِّى بهِ ﷺ حيثُ كانت الابتسامةُ وبشاشةُ الوجهِ إحدَى صفاتِهِ ﷺ التي تحلَّى بها، يُدرِكُ ذلك كلُّ مَنْ صاحبَهُ وخالطَهُ، قَالَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: «مَا حَجَبَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مُنْذُ أَسْلَمْتُ، وَلاَ رَآنِي إِلَّا ضَحِكَ» (متفق عليه)، وقالَ هندُ بنُ أبي هالةَ: “كان رسولُ اللهِ ﷺ دائمَ الْبِشْرِ، سهلَ الخُلُقِ، لَيِّنَ الجانبِ”؛ وفي التعبيرِ ب “كان” و “دوامَ البِشرِ”؛ إشعارٌ بأنِّ حُسْنَ خُلُقِهِ كان عاماً غيرَ خاصٍّ بجلسائِهِ، وفيهِ إيماءٌ بأنّهُ كان رحمةً للعالمينَ؛ والسيرةُ النبويةُ مليئةٌ بالمواقفِ التي ذُكرتْ فيهَا طلاقةُ وجهِ النبيِّ ﷺ وابتساماتِهِ حتى إنَّهّ ﷺ عدَّ الاببتسامةَ بابًا عظيمًا مِن أبوابِ الخيرِ، فعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ، وَأَمْرُكَ بِالمَعْرُوفِ وَنَهْيُكَ عَنِ المُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَإِرْشَادُكَ الرَّجُلَ فِي أَرْضِ الضَّلَالِ لَكَ صَدَقَةٌ، وَبَصَرُكَ لِلرَّجُلِ الرَّدِيءِ البَصَرِ لَكَ صَدَقَةٌ، وَإِمَاطَتُكَ الحَجَرَ وَالشَّوْكَةَ وَالعَظْمَ عَنِ الطَّرِيقِ لَكَ صَدَقَةٌ، وَإِفْرَاغُكَ مِنْ دَلْوِكَ فِي دَلْوِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ» (الترمذي).
إنّنَا قد لا نسعُ الناسَ بمالِنَا ولا جاهِنَا، فلا أقلَّ مِن أنْ نسعَهُم بحُسنِ خُلقِنَا وخطابِنَا الطيبِ قال ابنُ بطالٍ: “طيبُ الكلامِ مِن جليلِ عملِ البرِّ؛ لقولِهِ تعالى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ والدفعُ قد يكونُ بالقولِ كما يكونُ بالفعلِ” أ.ه. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «إِنَّكُمْ لَا تَسَعُونَ النَّاسَ بِأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ لِيَسَعْهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ وُجُوهٍ، وَحُسْنُ خُلُقٍ» (شعب الإيمان).
تابع خطبة الجمعة القادمة 10 يناير : وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الوَجْهِ وَحُسْنُ الخُلُقِ ، الدكتور محروس حفظي
عناصر الخطبة (النموذجُ الأول):
(1) معالجةُ مشكلةِ تنظيمِ الإسرةِ: لقد أولَى الإسلامُ بالأسرةِ عنايةً فائقةً، واهتمَّ بهَا اهتماماً خاصاً؛ لِمَا تؤديهِ مِن دورٍ حيويٍّ في بقاءِ النسلِ البشرِي، واستمرارِ الحياةِ على هذه البسيطةِ، وهي بمثابةِ اللبنةِ الأولَى في إعدادِ المجتمعِ القويمِ، فالعلاقةُ بينَ الرجلِ والمرأةِ ليست صفقةً تجاريةً بينَ شريكينِ، ولا ضرورةً لإشباعِ رغباتِ الجسدِ فحسب، وإنّمَا هي علاقةٌ إنسانيةٌ جديرةٌ بالاحترامِ والتقديرِ؛ إذ هي ميثاقٌ بينَ الزوجِ وزوجِهِ، وبينَ الزوجينِ والأبناءِ، وبينَ هؤلاءِ جميعًا والأبوينِ، وهي التي تُشكلُ حجرَ الأساسِ في البناءِ المجتمعِي، بل تمتدُّ حتى بعدَ الموتِ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «إِذَا مَاتَ ابنُ آدم انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» (مُسْلِمٌ)، ولذا يكونُ صلاحُ الأبناءِ شفاعةً للآباءِ، وقرةً لأعينِهِم ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً﴾، بل رفقاءَ لهُم في الجنةِ، «وَإِنْ لَمْ يَبْلُغُوا عَمَلَهُمْ؛ لِتَقَرَّ أَعْيُنُ الْآبَاءِ بِالْأَبْنَاءِ عِنْدَهُمْ فِي مَنَازِلِهِمْ، فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمْ عَلَى أَحْسَنِ الْوُجُوهِ بِأَنْ يَرْفَعَ النَّاقِصَ الْعَمَلِ بِكَامِلِ الْعَمَلِ، وَلَا يَنْقُصَ ذَلِكَ مِنْ عَمَلِهِ وَمَنْزِلَتِهِ لِلتَّسَاوِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَاكَ» ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ .
ولنفقهْ كلَّ الفقهِ، ولنعلمْ أنَّ العبرةَ ليستْ بالكثرةِ فقط وإنّمَا بتوجيهِ تلك الكثرةِ والعملِ على حسنِ توجيهِهَا مِن أجلِ خدمةِ دينِهَا ووطنِهَا، عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:«يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا، فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: «بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ»، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: «حُبُّ الدُّنْيَا، وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ» (أبو داود)؛ ولذا أمرَ الإسلامُ الزوجينِ معاً المشاركةَ في إعدادِ وتربيةِ الأولادِ سواءً كان ذلك خلقياً، أو علمياً، أو بدنياً، أو اجتماعياً، ولم يجعلْ المسئوليةَ ملقاةً على عاتقِ أحدهِمَا دونَ الآخرِ، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾، وقال ﷺ: «أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» (متفق عليه)، لذا يجبُ عليهمَا تنشئةُ الأولادِ على القيمِ الصحيحةِ، والأخلاقِ الرفيعةِ، والعاداتِ والتقاليدِ النافعةِ، وغرسِ المعانِى الساميةِ كحبِّ الخيرِ، والأعمالِ الصالحةِ، وأهميةِ الوقتِ وتنظيمِهِ، وحبِّ الأوطانِ والنهوضِ بهَا، والبعدِ عن رفقاءِالسوءِ، كما يجبُ أنْ نوفرَ لهُم الأمانَ والاستقرارَ الأسرِي حتى نُخرجَ منهُم شخصيةً نعتزُّ ونفتخرُ بهَا، وتكونَ طريقاً لنا للفوزِ بخيرَيِ الدنيا والآخرةِ.
وفي قصةِ زكريّا – عليه السلامُ– عندما صارَ شيخاً كبيراً، وامرأتُهُ عاقراً، توجّهَ إلى ربِّهِ متضرعاً، يلهجٌ لسانُهُ بالثناءِ عليهِ رجاءَ أنْ يرزقَهُ الولدَ لكن لمَّا سألَ ربَّهُ – عزّ وجلّ- قال: ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ﴾، إنَّهُ – عليه السلامُ- خصصَ الذريةَ أنْ تكونَ طيبةً نافعةً، سليمةً في الخُلقِ والدينِ نقية، رغمَ كبرِ سنِّهِ؛ ففي تقييدِ الذريةِ بكونِهَا “طيبةً”؛ إشارةٌ إلى أنَّ زكريّا – عليهِ السلامُ-؛ لقوةِ إيمانِهِ، ونقاءِ سريرتِهِ، وحُسنِ صلتِهِ بربّهِ، لا يريُد ذريةً فحسب وإنّمَا يريدُ ذريةً صالحةً يُرجَى منهَا الخيرُ في الدنيا والآخرةِ.
نعم، إنّ الرزقَ شاملٌ لجميعِ خلقِ اللهِ ولا يأخذُ أحدٌ رزقَ غيرِهِ؛ لأنَّ اللهَ قد بثَّ الأرزاقَ وقدَّرَهَا للخلقِ جميعًا بعلمِهِ المحيطِ بهِم، ومع ذلك سهَّلَ على كلِّ مخلوقٍ الوصولَ إليهَا وحثَّ على اكتسابِهَا مِن خلالِ الحركةِ وبذلِ الجهدِ والسعيِ والعلمِ والعملِ، حيثُ يقولُ اللهُ تعالى: ﴿فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ لكن كثرةُ الأولادِ تتطلبُ مجهودًا أكبرَ في التربيةِ والمتابعةِ مع تحملِ الأعباءِ الماليةِ المناسبةِ لمثلهِم في أسرتهِم ومجتمعاتهِم، ولذا كان النبيُّ ﷺ يتعوذُ في دعائِهِ مِن “جهدِ البلاءِ”، وهو قلةُ المالِ، وكثرةُ العيالِ كما فسرَهُ ابنُ عمرَ رضي اللهُ عنهما، وقد وردَ في الحديثِ أن النبيَّ ﷺ قال: «التَّدْبِيرُ نِصْفُ الْعَيْشِ، وَالتَّوَدُّدُ نِصْفُ الْعَقْلِ، وَالْهَمُّ نِصْفُ الْهَرَمِ، وَقِلَّةُ الْعِيَالِ أَحَدُ الْيَسَارَيْنِ» “مسند القضاعي”، وقيل لحكيمِ بنِ حزامٍ: ما المالُ يا أبَا خالدٍ؟ فقال: “قلةُ العيالِ” (المستدرك).
فلا تعارضَ بينَ تنظيمِ الأسرةِ مع قضيةِ الرزقِ، فالعلاقةُ بينهمَا مطردةٌ لا عكسيةٌ؛ فإنَّ اللهَ قد أمرَ بالمحافظةِ على المالِ والرزقِ بعدمِ إضاعتِهِ فيما لا يفيدُ، أو يكونُ وسيلةً لإجهادِ نفسِهِ أو التسببِ بإحداثِ ما فيهِ ضررٌ وتحملِ ما هو فوقَ الطاقةِ والمقدرةِ، يقولُ النبيُّ ﷺ لسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: «إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ» (متفقٌ عليه).
تابع خطبة الجمعة القادمة 10 يناير : وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الوَجْهِ وَحُسْنُ الخُلُقِ ، الدكتور محروس حفظي
(2) المواطنةُ والتعايشُ المشتركُ:
كانت دعوةُ النبيِّ ﷺ تعتمدُ السلامَ منهاجاً، والتسامحَ سلوكاً، فقد بدأَ دعوتَهُ بالحكمةِ والموعظةِ الحسنةِ، ولم يتخلَّ يومًا عن الرِّفقِ واللينِ في القولِ والعملِ، وبهذا المنهجِ الوسطيِّ أسسَ الإسلامُ مبدأَ التعايشِ بينَ جميعِ الأطيافِ والمذاهبِ المختلفةِ في إطارٍ مِن المواطَنةِ والعدلِ والمساواةِ، والدعوةِ إلى التعارفِ والتعاونِ، قال تعالى:﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾؛ وقد تجلَّى حُسْنُ الخُلُقِ عندَ المسلمينَ في تعاملِهِم مع غيرِهِم في كثيرٍ مِن تشريعاتِ الإسلامِ التي أبدعت الكثيرَ مِن المواقفِ الفيَّاضةِ بمشاعرِ الإنسانيةِ والرفقِ.
لقد أمرَ اللهُ في القرآنِ الكريمِ المسلمينَ ببِرِّ المخالفينَ لنَا، فقالَ تعالى:﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾؛ فالاعتصامُ والوحدةُ، والاتفاقُ سبيلٌ إلى القوةِ والنصرِ، والتفرقِ والاختلافِ طريقٌ إلى الضعفِ والهزيمةِ، وما ارتفعت أمةٌ مِن الأممِ وعلت رايتُهَا إلّا بالوحدةِ والتلاحمِ بينَ أفرادِهَا، وتوحيدِ جهودِهَا، والتاريخُ أعظمُ شاهدٍ على ذلك، وصدقَ المستشرقُ “بارتولد” في كتابِه:”الحضارةُ الإسلاميةُ” فقال:”النصارى كانوا أحسنَ حالًا تحت حكمِ المسلمينَ؛ إذ أنَّ المسلمينَ اتبعّوا في معاملاتِهِم الدينيةِ والاقتصاديةِ مبدأَ الرعايةِ والتساهلِ”.أ.ه.
نسألُ اللهَ أنْ يفرجَ كروبَنَا، وأنْ يزيلَ همومَنَا، وأنْ يُذهبَ أحزانَنَا، ونسألُكَ يا اللهُ أنْ ترزقَنَا حسنَ العملِ، وفضلَ القبولِ، إنّك أكرمُ مسؤولٍ، وأعظمُ مأمولٍ، وأنْ تحفظَ بلادَنَا، وأنْ تجعلَ بلدَنَا مِصْرَ سخاءً رخاءً، أمناً أماناً، سلماً سلاماً وسائرَ بلادِ العالمين، وأنْ توفقَ ولاةَ أُمورِنَا لِمَا فيهِ نفعُ البلادِ والعبادِ.
كتبه: الفقير إلى عفو ربه الحنان المنان
د / محروس رمضان حفظي عبد العال
مدرس التفسير وعلوم القرآن – كلية أصول الدين والدعوة – أسيوط
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
وللإطلاع علي قسم خطبة الجمعة
تابعنا علي الفيس بوك
الخطبة المسموعة علي اليوتيوب
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أخبار الأوقاف
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
للمزيد عن مسابقات الأوقاف
تم نسخ الرابط
Source link