عقدت رُفيدة قرانها بطريقة لم تتوقعها يوما ما، إذ تزوجت بالوكالة من خطيبها في فبراير شباط 2020 بعد سجنه بسبع سنوات، دون أن تراه.
تقول إنها حاولت مرارا إتمام إجراءات الزواج بحضورهما معا في السجن، لكن هذا لم يكن ممكنا.. واتخذا هذه الخطوة لتستمر في زيارته في محبسه.
هكذا تخبرنا رفيدة حمدي زوجة محمد عادل المتحدث السابق باسم حركة 6 أبريل المعارضة في مصر وأحد أبرز مؤسسيها والمحبوس منذ 11 عاما وشهر على ذمة عدة قضايا منها انتهاك قانون التظاهر ونشر أخبار كاذبة. لا تشمل المدة التي يقضيها محمد في السجن أحكاما صدرت ضده فحسب بل أيضا مدة حبسه احتياطيا لأكثر من خمس سنوات.
وتواجه الحكومة المصرية انتقادات حادة بسبب أوضاع حقوق الإنسان في مصر من قبل منظمات حقوقية تتهمها بالتعسف في استخدام الحبس الاحتياطي، وتدهور أوضاع السجون، والتعذيب والإخفاء القسري، وهو ما تنفيه مصر دائما دافعة بقيامها بخطوات إيجابية منها تفعيل لجنة للعفو الرئاسي عن المحبوسين سياسيا أواخر 2023 والتي ساهمت في الإفراج عن المئات منهم.
وتستعد مصر في 28 يناير كانون الثاني لمناقشة حالة حقوق الإنسان فيها ضمن الاستعراض الدوري الشامل الذي تجريه الأمم المتحدة وتقيم فيه حقوق الإنسان في دول المنظمة.
حياتنا أصبحت كابوسا كبيرا
تحكي رفيدة بحزن: “لا أشعر بأي استقرار في حياتي على الإطلاق… يلازمني القلق على عادل وصحته…. كل ذلك ينعكس بالسلب علي نفسيا وذهنيا…. يقول لي دائما إنه لا يملك شيئا حتى نفسه”.
تروي رفيدة ذكرياتها مع عادل قائلة: “تعرفت عليه من خلال عضويتي في حركة 6 أبريل منذ 18 عاما… بدأت قصة حب بيننا وقررنا الزواج وتكوين أسرة وبناء مستقبلنا لكن حياتنا أصبحت كابوسا كبيرا بعد القبض عليه”.
حُكم على عادل في ديسمبر كانون الأول عام 2013 بالسجن لمدة 3 سنوات لإدانته بانتهاك قانون التظاهر، ثم أُفرج عنه عام 2017 مع إلزامه بقضاء مراقبة 12 ساعة يوميا في قسم الشرطة لمدة 3 سنوات.
أثناء قضاء عادل فترة المراقبة، قبض عليه في يونيو حزيران 2018 بتهمة نشر أخبار كاذبة بسبب منشورات له على مواقع التواصل الاجتماعي ينتقد فيها حصول مصر على قرض من صندوق النقد الدولي، وبقي محبوسا احتياطيا على ذمة هذه القضية ثم حكم عليه بالسجن 4 سنوات في سبتمبر أيلول عام 2023 بدءا من تاريخ الحكم دون احتساب فترة حبسه احتياطيا.
تقول رفيدة بحزن: هذا يعني أن عادل سيخرج من السجن في سبتمبر أيلول2027، بينما لو احتسبت فترة حبسه احتياطيا كان سيفرج عنه في 26 يناير الجاري 2025.
أمل في الحرية، وخوف من محاكمات جديدة
تضيف رفيدة أثناء حبس عادل في 2018، اتُهم في قضيتين جديدتين، ولم يحكم فيهما بعد، “ما يعني أنه عندما يتم الإفراج عنه في سبتمبر أيلول 2027 سنكون على موعد مع محاكمتين جديدتين”، فيما يعرف ب “تدويره” أي توجيه اتهامات وفتح قضايا جديدة له أثناء محبسه.
بحسب رفيدة، تدهورت حالة عادل الصحية عدة مرات خلال سجنه، كما أضرب عن الطعام 50 يوما في العام الماضي للمطالبة بتحسين أوضاعه في سجن جمصة قبل نقله لسجن العاشر4 أوائل العام الجاري 2025.
تتمنى رفيدة الإفراج عن زوجها بعفو رئاسي حيث تقدمت بخطاب مباشر إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، كما تقدم المجلس القومي لحقوق الإنسان بنفس الطلب.. تقول رفيدة: “عادل سجين رأي، لم يحمل سلاحا ولم يقتل، ويستحق هذا العفو لتعويض ما ضاع من سنوات حياته”.
سجل مصر الحقوقي أمام الأمم المتحدة
المراجعة الدورية الشاملة لحالة حقوق الإنسان هي آلية تتبعها الأمم المتحدة لمراجعة الوضع الحقوقي في الدول الأعضاء كل أربع سنوات للتحقق من سعي الدول إلى تحسينه، وبيان مدى التزامها بالمواثيق الخاصة بحقوق الإنسان التي تعهدت بالوفاء بها.
تصدر توصيات بناء على هذه المراجعة، وخلال المراجعة الأخيرة التي جرت في عام 2019 أصدر المجلس 372 توصية لمصر، قبلت منها تنفيذ 270 توصية من أبرزها تقصير فترات الحبس الاحتياطي، والتحقيق في البلاغات عن التعذيب والاختفاء القسري، بينما رفضت 15 توصية أبرزها وقف تطبيق عقوبة الإعدام، والمحاكمات العسكرية للمدنيين، والانضمام للاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري.
قدمت مصر تقريرها في أكتوبر تشرين الأول 2024 لمناقشته، ويرأس وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي الوفد المصرى المشارك في الجلسة.
ويقول طارق الخولي وكيل لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب وعضو لجنة العفو الرئاسي ل بي بي سي إن مصر تعمل على النهوض بأوضاع حقوق الإنسان فيها باعتبار ذلك إرادة وطنية، وليس فقط من أجل مراجعة ملفها أمميا والتي تعتبر مقياسا مهما أيضا لمدى التقدم الذي أحرزته مصر في هذا الملف.
إجراءات تجميلية أم خطوات حقيقية؟
في 17 ديسمبر كانون الأول 2024، نشرت 12 منظمة حقوقية مصرية تقريرا مشتركًا حول ما وصفته ب “تفاقم أزمة حقوق الإنسان في مصر خلال السنوات الخمس الماضية”. قدمت المنظمات نسخة من هذا التقرير للأمم المتحدة، في إطار الإعداد لاستعراض الملف الحقوقي المصري أمام الأمم المتحدة.
يقول محمد زارع مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان ل بي بي سي وهو أحد المشاركين في هذا التقرير،”إن مبادرات الحكومة المصرية مثل إصدار ما يعرف بالاستراتيجية القومية لحقوق الإنسان، ولجنة العفو الرئاسي، والحوار الوطني مجرد خطوات تجميلية ليس لها أي تأثير حقيقي”.
ويضيف زارع “ما رصدناه في التقرير من انتهاكات لحقوق الإنسان في مصر، مثل الانتهاكات المتعلقة بالحق في الحياة ومكافحة الإعدام، والتعذيب والإخفاء القسري، وأوضاع أماكن الاحتجاز، وطول مدد الحبس الاحتياطي، واستمرار الحبس في قضايا الرأي، يعني أنه لا يوجد تقدم يذكر منذ المراجعة السابقة في 2019”.
من جهته، يرى الخولي أن “هناك إنجازات للدولة المصرية في مجال حقوق الإنسان المدنية والسياسية استجابة للتوصيات التي قبلتها مصر في المراجعة السابقة في 2019 مثل قانون الإجراءات الجنائية الجديد، وتعديلات قانون تنظيم السجون بالإضافة إلى إعداد قانوني لجوء الأجانب وممارسة العمل الأهلي ومبادرة الحوار الوطني، ولجنة العفو الرئاسي”.
ويضرب الخولي مثالا بتعديل قانون الإجراءات الجنائية مؤخرا فيما يتعلق بالحبس الاحتياطي الذي كان من أبرز التوصيات الموجهة لمصر، حيث خفض القانون الجديد الحد الأقصى لمدة الحبس الاحتياطي في قضايا الجنح إلى 4 أشهر بدلاً من 6 أشهر، وفي الجنايات إلى 12 شهراً بدلاً من 18 شهراً، أما إذا كانت العقوبة المقررة للجريمة السجن المؤبد أو الإعدام، فيكون الحد الأقصى لمدة الحبس الاحتياطي 18 شهراً بدلاً من عامين.
القومي لحقوق الإنسان: لا سلطة لنا، لكن جهدنا واضح
يشارك المجلس القومي لحقوق الإنسان، في هذه المراجعة لسجل مصر الحقوقي أمام الأمم المتحدة، عن طريق مساهمته في تقديم تقارير توضح حالة حقوق الإنسان في مصر.
وتقول رئيسة المجلس السفيرة مشيرة خطاب في حديث مع بي بي سي “إن المجلس نجح في الدفع نحو تنفيذ مصر توصيات المراجعة السابقة، من خلال مساهمته في صياغة قانون جديد للإجراءات الجنائية، ورفض المجلس مشروع القانون في بدايته مثل نقابة الصحفيين ونادي القضاة وتمت بالفعل الاستجابة لذلك وتعديل العديد من المواد أبرزها خفض مدة الحبس الاحتياطي”.
واستمرارا في الالتزام بالتوصيات الأممية الحقوقية لمصر، تؤكد خطاب أن “لدى المجلس لجنة تلقي شكاوى قوية تتيح لكل من يتعرض لأي انتهاك التواصل معها، وتقوم اللجنة ببحثها ورفعها إلى الجهات المعنية، وتم حل العديد منها مثل المساهمة من خلال لجنة العفو الرئاسي في إطلاق سراح العديد ممن تقدم المجلس بشكاواهم، ومن أبرزهم الناشط السياسي المعروف زياد العليمي”.
وتضيف خطاب أنها تقدمت بطلب عفو رئاسي عن الناشط البارز علاء عبد الفتاح، مؤكدة تواصلها في وقت سابق مع عائلته ومساهمة المجلس في نقله لسجن أفضل عندما أضرب عن الطعام وزيارته والاطلاع على تقاريره الطبية “وشخصيا سلمت له أغراضا من عائلته من خلال وزارة الداخلية”، بحسب مشيرة.
ويعد عبد الفتاح أحد رموز ثورة يناير 2011 التي أطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك، كما أنّه من أبرز معارضي الرئيس عبد الفتاح السيسي، وقد دخل السجن مرّات عدّة منذ عام 2006، آخرها في عام 2019، إذ صدر ضده حكم بالسجن لمدة 5 سنوات، لاتهامه بنشر أخبار كاذبة.
وفي أكتوبر تشرين الأول 2024، طالبت منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية السلطات المصرية بالإفراج عنه بعد سجنه خمس سنوات. ورفضت السلطات احتساب أكثر من عامين أمضاهما عبد الفتاح في الحبس الاحتياطي ضمن مدة العقوبة، وأبقته في السجن بحسب محاميه.
ولا تنكر رئيسة المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر ما يحتاجه سجلها الحقوقي من مراجعة كبيرة، مضيفة أن “هذا سبب مهم لوجود المجلس واستمرار عملنا به بأقصى جهدنا رغم أنه ليس صاحب قرار أو جهة تنفيذية”.
وتضيف خطاب أن “حقوق الإنسان لا تهدد الأمن القومي ولا تهدد استقرار الدول ونعمل على ترسيخ هذه القناعة، وأنا لا أمثل الحكومة وأقلق من المفردات التي يستخدمها بعض المسؤولين الحكوميين في الرد على بعض التقارير الحقوقية التي ترى وجود انتهاكات لحقوق الإنسان في مصر، فلا توجد دولة بلا تحديات في هذا الملف”.
Source link