يوماً بعد يوم، تتصاعد حدة التوتر بين مصر وإسرائيل، وفي خلفية المشهد تكمن خلافات عميقة بين البلدين حول عدة ملفات أهمها الحرب في غزة. كانت آخر مظاهر هذا التوتر سيناريو تخيلي لضرب السد العالي في جنوب مصر نشره موقع إخباري إسرائيلي أثار غضباً شديداً في مصر.
ونشر موقع “نزيف” العبري المتخصص في الشؤون العسكرية ما قال إنه “تصور للذكاء الاصطناعي Chat GPT” لتنفيذ ضربة للسد العالي باستخدام صواريخ خارقة للتحصينات وغيرها من الأسلحة المتطورة، بما يؤدي إلى هدم هيكل السد أو إحداث انهيار يؤدي لإطلاق كميات هائلة من المياه المحتجزة خلف السد.
كارثة غير مسبوقة
ووفق السيناريو المتخيل فإنه وخلال الساعات الثلاث الأولى ستُغرق موجات المياه الهائلة منطقتي الأقصر وأسوان، ما سيؤدي إلى تدمير فوري للبنية التحتية فيهما، كما ستغمر المياه القواعد العسكرية والمنشآت الصناعية على طول النيل مسببة مقتل آلاف الأشخاص.
وبحسب السيناريو فإنه في الساعات اللاحقة سيندفع الطوفان نحو مناطق القاهرة الحضرية ما سيؤدي لانهيار شبكة الكهرباء وتعطيل أنظمة النقل والاتصالات بالكامل.
وتصور الموقع الإسرائيلي أنه في حال نجاح السيناريو “المرعب” ستغلق المناطق الصناعية في القاهرة بالكامل وتنهار الأبراج والمباني السكنية خصوصاً القديمة منها. كما سيفقد الجيش المصري السيطرة على الكثير من المناطق بسبب الفوضى، فيما سيتحرك من بقي على قيد الحياة بشكل جماعي نحو المناطق الصحراوية المرتفعة وأن الكثير منهم سيفقد حياته خلال ذلك.
تحدث الموقع عن تقديرات للذكاء الاصطناعي تفيد بوقوع ضحايا ما بين 1,7 مليون قتيل إذا كان هناك إنذار مبكر وبنية تحتية لإدارة الأزمات تعمل بشكل جيد وتمكن جزء من السكان من الفرار، وبين نحو 10,5 مليون قتيل وفق كفاءة إدارة الأزمة وأن درجة تأثير هذا السيناريو تعتمد بشكل كبير على قدرة الحكومة المصرية على الاستجابة في الوقت المناسب.
وفي اتصال هاتفي مع DW عربية أكد اللواء مأمون أبو نوار الخبير العسكري والاستراتيجي صعوبة تدمير السد العالي “خاصة وأن مصر لديها أنظمة دفاع جوي متقدمة للغاية، وأن استهداف السد يعني اختراق هذه الدفاعات وهو أمر صعب”. وأضاف اللواء أبو نوار أنه “لطالما استخدمت السدود كسلاح أشبه بالقنبلة النووية في الحروب نظراً لما يسببه استهدافها من دمار شامل”.
توتر متصاعد
ويشير مراقبون ومحللون إلى تصاعد حدة التوتر بين مصر وإسرائيل في ظل ضغوط شعبية متزايدة. ظهر ذلك في بيانات وزارة الخارجية المصرية التي لطالما عُرفت بالرصانة، إذ استخدمت تعبيرات غير مسبوقة في خطابها الموجه لإسرائيل مثل “تهديد إسرائيل بنسف أسس السلام”، و “التصريحات الإسرائيلية المنفلتة”، و”التصريحات المستهترة”، وذلك بعد تزايد الحديث في إسرائيل – مدفوعاً برغبة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب – في نقل بعض سكان غزة إلى مصر والأردن بل وحتى طرح فكرة إنشاء دولة للفلسطينيين على جزء من أراضي السعودية.
أثار تكرار الحديث حول نقل جزء من الفلسطينيين إلى مصر قلقاً شديداً في القاهرة والتي تعتبر مسألة وجود لاجئين فلسطينيين بهذا العدد الهائل على أراضيها تهديدا لأمنها القومي وينذر بأزمة كبرى قد تمتد إلى صلاحية معاهدة السلام المبرمة مع إسرائيل في عام 1979.
على الجانب الآخر، اشتد الهجوم الإسرائيلي سواء من جانب وزراء حاليين في الحكومة الإسرائيلية أو من جانب مسؤولين سابقين، كما شمل وسائل إعلام إسرائيلية مختلفة.
فقد شنت أميرة أورون السفيرة الإسرائيلية السابقة لدى مصر، هجومًا حادًا على القاهرة بسبب ما وصفته بـ”السلام البارد”، بحسب ما جاء في دراسة بحثية نشرها معهد “ميتفيم” للدراسات الإستراتيجية والسياسة الخارجية الإقليمية لإسرائيل، والتي أعدتها أورون بالمشاركة مع البروفيسور إيلي بودا، عضو مجلس إدارة المعهد وأستاذ الدراسات الإسلامية والشرق أوسطية بالجامعة العبرية.
وقالت أورون إن “الخطاب الإعلامي (المصري) الحالي يقوض حتى شرعية إسرائيل، ويصورها على أنها قوة غاشمة تمارس العنف المفرط ضد الفلسطينيين”. وتابعت أورون في الدراسة، أن “وسائل الإعلام المصرية، تصور الدمار الواسع في غزة كجزء من سياسة إسرائيلية تهدف إلى إعادة السيطرة على القطاع”.
كما انتقد وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش الموقف المصري حيال الحرب في غزة، وقال خلال اجتماع للكتلة البرلمانية لحزب لـ”الحزب الصهيوني الديني” برئاسته – وفق ما أوردت صحيفة هآرتس الإسرائيلية – إن مصر “مسؤولة بشكل كبير” عما حصل في السابع من أكتوبر، وهي التصريحات التي وصفتها مصر بـ “التحريضية” و”غير المسؤولة”.
وكانت واحدة من فصول المواجهة المصرية الإسرائيلية ما حدث في الأمم المتحدة عندما تساءل مندوب إسرائيل لدى المنظمة داني دانون عن أسباب اقتناء الجيش المصري معدات عسكرية حديثة رغم عدم مواجهة البلاد أي تهديدات، معتبراً أن ذلك يدعو للقلق. وهذه هي المرة الأولى التي يتحدث فيها مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى عن أسلحة الجيش المصري.
وقال دانون لإذاعة “كول بارما” الإسرائيلية: “إنهم (المصريون) يستثمرون مئات الملايين من الدولارات في المعدات الحديثة كل عام، وليس لديهم أي تهديدات على حدودهم”. وتساءل الدبلوماسي الإسرائيلي: “لماذا يحتاجون إلى كل هذه الغواصات والدبابات؟”.
حرص متبادل على استمرار اتفاقية السلام
وتصر مصر وإسرائيل على تمرير رسائل مباشرة أو عبر وسطاء تؤكد حرص كل منهما على استمرار اتفاقية السلام، حدث ذلك عدة مرات وخصوصاً خلال الأسابيع الماضية التي شهدت تصعيداً في لهجة البيانات الصادرة من مصر وفي حديث المسؤولين الإسرائيليين لوسائل الإعلام.
وذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أن السلطات المصرية والإسرائيلية كانتا تنسقان عن كثب منذ فترة طويلة بشأن المسائل الأمنية، حيث يجتمع المسؤولون العسكريون بانتظام في القاهرة وتل أبيب، ويرى الجانبان أن هذه العلاقة الوثيقة تشكل حجر الزاوية في سياسات الأمن الوطني، كما يقول مسؤولون إسرائيليون ومصريون سابقون للصحيفة.
وتشير الصحيفة إلى أن هذا جعل من غير المرجح أن تتخذ الحكومة المصرية خطوات جوهرية ضد إسرائيل بسبب اقتحام ممر فيلادلفيا، كما يقول هؤلاء الخبراء. وقال عز الدين فشير، الدبلوماسي المصري السابق للصحيفة ذاتها: “سوف يستمر رجال الأمن في التحدث إلى رجال الأمن، وسوف تتم إدارة الحدود بشكل مشترك، وسوف يستمر التواصل. ويدرك كلا الجانبين أن هذا في مصلحتهما”.
ويرى الدكتور خليل جهشان المدير التنفيذي للمركز العربي في واشنطن العاصمة أن “السلام بين مصر وإسرائيل كان دائمًا محفوفًا بالمخاطر وضعيفًا نوعًا ما، كما أن الجانبين لم يقضيا الكثير من الوقت في تعزيز ذلك (السلام)، وكان كل منهما يتعامل مع الآخر على أنه أمر مسلم به، وأن اتفاقية السلام بين البلدين كانت محدودة إلى حد ما من حيث النطاق والعمق، كم أنها لم تنضج على مدى سنوات”.
وأضاف خلال حوار هاتفي مع DW عربية من واشنطن أنه “في ضوء هذه الخلفية، فإن هناك أزمات متعددة في المنطقة كانت لها تأثيرات مركبة على العلاقات بين البلدين في مقدمتها غزة والتي نتج عن الحرب فيها وضع مصر في مأزق خطير للغاية سواء بسبب وضعها الفريد جغرافيا أو من حيث المسؤوليات تجاه القطاع”.
وأضاف أنه “لم يكن هناك تشاور بين بلدين بينهما تحالف، على حد تعبير الأمم المتحدة، نتيجة لمعاهدة السلام. لذا فإن معاهدة السلام بدلاً من المساعدة في أوقات الأزمات، كشفت عن ضعف هذه العلاقة”.
شرارة قد تشعل الأمور
في مثل هذه الأوضاع المتوترة، يخشى المراقبون من تكرار وقائع تاريخية. ففي أوقات التوتر الشديد بين البلاد قد يتخذ طرف ما خطوة أو يقوم بعمل انفعالي أو غير مدروس يؤدي لانفجار الأوضاع بين البلدين.
في هذا السياق يقول أحمد أبو دوح خبير شؤون الشرق الأوسط في معهد تشاتام هاوس بلندن إن “هذا أمر محتمل، خاصة وأن المصريين ينشرون قوات عسكرية كبيرة بالقرب من الحدود، وهو ما أثار انتقادات إسرائيلية شديدة” مضيفاً أنه يعتقد أن مصر وإسرائيل وحتى الآن “تفضلان استخدام الدبلوماسية الهادئة”.
وأشار الخبير بمعهد تشاتام هاوس في حوار عبر الهاتف مع DW عربية إلى أنه “لهذا السبب فإن هناك تفهمًا كبيرًا في إدارة دونالد ترامب أو على الأقل بين الأشخاص المحيطين به، على أنه لا ينبغي فرض عملية تهجير الفلسطينيين على مصر والأردن”. وقال: “أعتقد أن إلغاء السيسي لزيارته إلى واشنطن جاء لأنه كان قلقًا للغاية من التعرض للموقف الحرج الذي واجهه الملك عبد الله في واشنطن.”
وأضاف “لذلك أعتقد أن المصريين سيحاولون حل الأمر على انفراد مع الولايات المتحدة وأعتقد أن بناء جبهة عربية موحدة هو الهدف الرئيسي الآن، سواء كان ذلك من خلال الاجتماع المقرر بين مصر والسعودية والإمارات وقطر والأردن في الرياض أو في قمة 27 فبراير التي دعوا إليها”.
أما الدكتور خليل جهشان، المدير التنفيذي للمركز العربي، فيرى أن احتمال اشتعال الأوضاع بين البلدين أمر وارد للغاية، “فقد حدث ذلك في سيناء وحدث على الحدود الأردنية. لذا فإن كل ما يتطلبه الأمر هو جندي أو متسلل أو مدني محبط يدخل المنطقة الخطأ، ربما تكون منطقة أمنية، ويطلق النار على الجانب الآخر وما إلى ذلك. وقد حدث هذا من قبل”
وأضاف أن هذا الأمر يكشف عن “الخلل في العلاقة التي لم تتطور أو تنضج بين مصر وإسرائيل وعدم تحولها إلى علاقة روتينية أو تحالف بين جارين حليفين يعيشان في سلام مع بعضهما البعض”.
Source link