عرف المصرى القديم خواص بعض العقاقير بينما كان ينتقى طعامه من بين الحيوان والنبات، واهتدى بملاحظته الدقيقة إلى تأثيرها الطبى، وتعلَّمَ الابن عن أبيه فى المنزل تلك الخواص، وأجاد صناعة الدواء وراثة، وأصبحت سرا يتوارثه الآباء عن الأجداد، والأبناء عن الآباء، حتى أصبحت تلك الصناعة فى العصور القديمة قاصرة على بعض الأسر التى اشتهرت فيما بعد بعلومها الطبية، وكان المنزل هو المدرسة الأولى التى تعلم فيها الإنسان صناعة الدواء وصناعة الطب.


ولما بدأ الإنسان يدون علومه على أوراق البردى، كتب تلك المعلومات الدوائية، وعدد أسماء بعض العقاقير وفوائدها، ووضع تلك اللوحات فى المعبد حيث كان يحج إليه المرضى يتداوون من أمراضهم، وأصبح المعبد فيما بعدُ هو قبلة المرضى، والمدرسة التى ينهل منها طالبو العلم، واحتكر الكهنة تلك الصناعة، وأسبغوا عليها مسحة من القداسة والرهبة.


وقد كان قدماء المصريين على قسط وافرٍ من الحضارة، وكانوا على سعة من العلم في كل مرافقها، وكان من المؤكد تحت هذه الظروف الحضارية أن تكون لهم مدارس خاصة يرسلون إليها أبناءهم في سن مبكرة، يتعلمون فيها الكتابة والدين والحساب والهندسة والعلوم الطبية، بحسب كتاب تاريخ العقاقير والعلاج للعالم المصري صابر جبرة.


وقد كانت أون أو هيليوبوليس منذ الدولة القديمة مركز الثقافة والتعليم، وكانت مدرستها محج الطلبة يقدمون إليها من الشمال ومن الجنوب، يقصدونها لينالوا العلم، ويتلقنوا فنونه، وفي مدرسة أون تلقَّى المصريون أول ما عرف العالم عن الطب والعقاقير وصناعة الدواء.


وقد وضع الملك أتويتس بن الملك مينا من الأسرة الأولى مجموعة من كتب الطب، ومن بينها كتابٌ خاص بالعقاقير، من هذا نقطع بأن العلوم الطبية الفرعونية لم توخذ ارتجالًا بل علمًا ووراثة، وكان هناك مدارس خاصة لتعلم الحرف الطبية المختلفة؛ إذ إنه لدينا الأدلة القوية التي تجعلنا نعتقد أنه كان بمصر منذ أكثر من 3000 عام ق.م مدرسة رسمية للعشابين.


رغم أننا لم نعثر على كتاب واحد من كتبهم النظرية التي كانوا يدرسونها في ذلك الوقت، وكان من أهم المدارس في مصر القديمة مدرسة منف “ميت رهينة” التي كان من أبنائها وأساتذتها إيمحتب الذي عبد فيما بعد في نفس المدينة في معبده بها، وقد أصبح هذا المعبد فيما بعدُ مدرسة للطب أخرجت لمصر القديمة الكثير من الأخصائيين.


وقد أصبحت المدارس الطبية فيما بعد ذات شأن عظيم، وكانوا يسمونها بيت الحياة، لا يدخلها إلا علية القوم وأبناء الأطباء، وأصبحت طيبة العاصمة فيما بعد مركز الحضارة ومدينة العلم، وأصبحت دراسة المهن الطبية في يد الكهنة عندما قويت سلطة آمون وعبادته، وأصبحت المدارس الطبية بين جدران المعابد، وكان الراغبون في دراسة هذه العلوم الطبية في بيت الحياة عليهم أن يؤدوا امتحانًا عسيرًا لقبولهم ليحصلوا أولًا شهادة أولية في اللاهوت، وكان هذا يستغرق منهم ما لا يقل عن عامين، على أن يعدَّ الطالب نفسه خلالها أيضًا للدراسات الطبية العملية.


وكانت طيبة في الدولة الحديثة معقل عبادة آمون، وأصبحت مدارس الحياة من مستلزمات تلك المعابد، وكان طلاب العلوم الطبية يتلقون علومهم على أيدي كهنة برعوا فيها، وعلى أيدي أطباء تخصَّصوا في فنونها، وخصوصًا أطباء القصور الملكية، كلٌّ في فرع تخصُّصه، وكانت الدراسة الطبية — كما نعلمه من برديات بعض رجال الطب — عنيفة قاسية، طويلة المدة، يجب أن يتعلم فيها الإنسان العقاقير، وأسماء الأعشاب وخواصها، وأنسب المواعيد لزراعتها وجنيها، وصناعة المنقوعات والخلاصات منها، ومختلف أصناف الأدوية.


وكان الأطباء يتلقون دروسًا في الطب وفروعه المختلفة المعروفة في ذلك الوقت، وكان بعض الطلاب يضيقون بهذه العلوم فيتخلفون عن الركب.


كما أنشئت في العصور الفرعونية المتأخرة مدرسة طبية شهيرة كان لها سمعتها، وكان لها رجالها في “سايس” أو صا، ظلت هذه المدرسة الطبية أول منزل للحياة حمل مشعل العلم فترة طويلة من الزمن حتى ضاعت معالمها مع اضمحلال مصر، ثم جددت هذه المدرسة في العصر الفارسي.


Source link